موضوع: الإسلام وبناء إنسان كريم الأخلاق الأحد أغسطس 16, 2015 6:08 am
إنَّ الله تعالى خاطب حَبيبه ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم قائلاً له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب
وهذه الآيات الكريمات سبق وأن تناولناها بالتفصيل في محاضرات كثيرة وفى كتب أيضاً، ولكنا هنا لا نتحدث عن وظائف الرسالة أو النبوة بتفصيل، وإنما نتناول الهدف العام من الرسالة، لماذا أرسل الله الرسل؟
رسالة النَّبي صلى الله عليه وسلم في لبّها بيَّنها صلى الله عليه وسلم في كلمات معدودات، قال فيها: {إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ}{1}
فجعل الغاية من رسالته، والهدف السامي من شريعته، هو إصلاح الأخلاق بإظهار مكارمها من الأخلاق التي سارت مثلاً ومبادىء عالية وأخلاقاً راقية في عالم الناس، ليسعى الناس جميعاً إلى روضاتها الدانية.
وهذه الرسالة تظهر في إصلاح بناء الفرد الداخلي، فإن ديننا الإسلامي يسعى في كل أحواله القرآنية وسننه النبوية، إلى بناء إنسان كريم الأخلاق، أشار إليها القرآن مراراً وأثنى على أهلها، من ذلك مثلاً قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} الفرقان
فإذا نظرنا في هذه الآية نظرة متأنية، وهي وصفٌ كريم لعباد الرحمن الذين تخلقوا بأخلاق القرآن، والذى أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنه حين سألها سائل عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابته: ... {كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ}{2}
وأخلاق القرآن في آيات الفرقان التي ذكرناها عالياً، تبدأ أولاً بالأخلاق، ثم تُثَنِّى بالعبادات، وانتبهوا للترتيب،.فهي تصف عباد الرحمن بأنهم يمشون على الأرض هوناً، أى وصفهم في مشيهم في حياتهم بالتواضع وعدم الزهو والخيلاء، لأنهم عملوا بنصيحة لقمان الحكيم لابنه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان18 أليس هذا هو الإصلاح؟
أن يمشوا متواضعين بين الناس ويعرفون حقيقة أنفسهم، فلا يستهويهم البطر ولا الزهو بالنعم، ولا تأخذهم الخيلاء، وإنما يتأدبون بأدب الصلاح في القرآن، فيعلمون أن النعم كلَّها سببها توفيق الله ومعونة الله، فيردُّون الأمر لله، ويقولون كما قال الله: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ} النساء79
الذين يمشون على الأرض هوناً ويتحملون أذية الخلق: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} الفرقان63 لا يردُّون عليهم الكيل كيلين، أو الصاع صاعين، وإنما دأبُهم: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الشورى40 وهديُهم في أخلاقهم مع أحبابهم وجيرانهم وزملائهم ومجتمعهم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت34
ولمَّا كان الوصول بالمسلمين لهذه الأخلاق وأخذهم للتخلق بتلك الآداب هو الغاية من الرسالة بعد التوحيد، كان هذا ما يستشعره صلى الله عليه وسلم نحو أصحابه أجمعين رجالاً ونساءاً، أطفالاً وشباباَ، ويراه صلى الله عليه وسلم تكليفاً من الله نحوهم، ولذا كان يظلُّ وراء الواحد منهم إلى أن يصلح حاله، فيعالجه من مرضه بتخليصه من أخلاقه الذميمة التى تقطعة عن الله، ويحلِّيه بالأخلاق الحميدة، ولا يزال به حتى يوصله بالله
{1} رواه البيهقي عن أبي هريرة {2} رواه أحمد عن عائشة ومسلم وأبو داود وابن عساكر